بدر الكبرى
وخرج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، في شهر رمضان من نفس السنة، مع ثلاثمائة وثلاثة عشر من الأنصار والمهاجرين والراية بيد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، يريدون إرهاب قريش، لينقلعوا عن أذى المسلمين، بالتعرض لعيرهم المقدم من الشام.. لكن العير أفلت.. وبعد لأي طلع الكفار من مكة كاملو العدد والعدة يريدون المحاربة وعددهم ما يقرب من ألف مقاتل.
واصطف الجانبان في أرض كانت فيها (بئر) تسمى (بدرا).
فلما التقى الجمعان تقدم (عتبة) و(شيبة) و(الوليد) من أبطال الكفار، وخرج من صفوف المسلمين لمبارزتهم (أمير المؤمنين) و(حمزة) و(عبيدة) عليهم السلام.
فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه: غضوا أبصاركم، وعضوا على النواجذ، ثم رفع يده الكريمة، فقال: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد.. وأخذ (صلى الله عليه وآله وسلم) كفاً من الحصى فرمى به في وجوه قريش، وقال: شاهت الوجوه.
واستجاب الله دعاء الرسول، فأنزل (ملائكة) من السماء لنصرة المسلمين، وبعث الله رياحاً تضرب وجوه قريش، وألقي في قلوبهم رعب عظيم.
وانتصر (علي وحمزة وعبيدة) عليهم السلام، على أقرانهم، فقتلوهم، واشترك الإمام في قتل جميع أولئك الثلاثة.. وانكشفت الحرب عن سبعين قتيلاً من قريش، وسبعين أسيراً.
كما أنه قتل في هذه المعركة العدو اللدود للإسلام والمسلمين (أبو جهل).
وانتهت المعركة بانتصار المسلمين، وانهزام الكفار وبذلك حقق للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أعظم نصر مادي وأدبي، فقد اشتهرت قوة الإسلام في الجزيرة العربية، وخافت القبائل جانب المسلمين، مما أوقفهم عند حدهم، وقلت أطماعهم في غزو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما قويت قلوب أولئك الذين مالوا إلى الإسلام لكنهم خافوا من إظهاره، فرأوا الأبواب مفتوحة في وجوههم لقبول الدين الجديد.
بنو قينقاع
وخرج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، في شوال من نفس السنة، لمحاربة (بني قينقاع) وكانوا من اليهود الذين وادعهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ليأمن جانبهم.. فخانوا وكان من قصة خيانتهم:
إن امرأة من المسلمين جلست إلى صائغ يهودي، فراودها ليكشف وجهها، لكن المسلمة اعتصمت بالحجاب، فعمد اليهودي إلى طرف ثوب المرأة فعقده إلى ظهرها، بحيث لم تعلم المرأة بالأمر، فلما قامت المرأة عن مكانها، انكشفت سوأتها، فضحك اليهودي وغيره عليها، وخجلت المرأة، وصاحت تستصرخ فوثب رجل من المسلمين الغيارى على اليهودي، فقتله، لما ألحقه بالمسلمة من الهتك والفضيحة.
وهنا انتصر اليهود لزميلهم المقتول، فاجتمعوا على المسلم فقتلوه.. فاستطار الشر بين المسلمين وبين (بني قينقاع).
فخرج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع جمع من أصحابه إليهم، واستخلف في المدينة (أبا لبابة) وأعطى لواءه بيد عمه (حمزة) عليه السلام، فحاصرهم خمس عشرة ليلة، إلى هلال ذي القعدة.
فقذف الله في قلوب اليهود الرعب، حتى أظهروا أنهم مستعدون لحكم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنهم لا يطيقون محاربته، وكان الحكم الذي تراضى عليه الطرفان أن يكون لليهود نساؤهم وذراريهم، ويكون للمسلمين أموالهم، وان يرحلوا عن المدينة.
فرحلوا عن المدينة، إلى (أذرعات) الشام وخلفوا أموالهم وأراضيهم للمسلمين.
وكان هذا الحكم خطة حكيمة من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث تخلص من قبيلة يهودية، كانت من ألد أعداء الإسلام، لا يؤمن جانبها، كما أن الأموال والأراضي صارت للمسلمين غنيمة باردة، لم تكلفهم حرباً وقتالاً.
وبهذا الظفر الثاني، تلو ظفر (بدر) ارتفعت معنويات المسلمين، إلى درجة هائلة، واطمأنوا بقوتهم المعنوية، كما رهب الأعداء كافة جانبهم، فهؤلاء اليهود، وهؤلاء كفار قريش يخسرون أمام المسلمين، مع قلة عددهم، وضآلة عددهم.
الكدر
وخرج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، في شوال من نفس السنة ـ على قول ـ إلى قبيلة تسمى (بني سليم) فإنهم اجتمعوا على ماء يسمى (الكدر) للهجوم على المدينة، فأعطى النبي رايته للإمام أمير المؤمنين (ع)، وخرج في مائتين من أصحابه، ولما وصل إلى محلهم، وجدهم قد تفرقوا، فرجع إلى المدينة.
السويق
وخرج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، في ذي الحجة من نفس السنة، في مائتين من المهاجرين والأنصار، لرد اعتداء أبي سفيان، وسمى بغزوة (السويق) لأنه كان أكثر زاد المشركين، وغنمها المسلمون وكان سبب هذه الغزوة أن (أبا سفيان) زعيم المشركين، نذر أن لا يمس النساء وأن لا يستعمل الدهن، حتى يغزو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ فخرج في مائتي راكب من قريش، ليبر يمينه، حتى أتوا (العريض) وهي ناحية من (المدينة) على ثلاثة أميال فحرقوا نخلاً، وقتلوا بعض الأنصار، فرأى (أبو سفيان) أنه بهذا العمل قد انحلت يمينه.
وخرج النبي في طلبه، فهربوا، وجعلوا يقلون جرب السويق، وهي عامة زادهم، طلباً للتخفيف فيأخذها المسلمون.. ولم يصلهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكرّ راجعاً إلى المدينة..
غطفان
وخرج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، في ربيع الأول في السنة الثالثة من الهجرة، مع أربعمائة وخمسين من المسلمين لرد (دعثور) فإنه كان قد جمع جيشاً من (بني ثعلبة) و (محارب) يريدون الإغارة على المدينة.. فخرج إليهم الرسول، حتى وصل إلى (غطفان) وهي ناحية (بنجد) وحيث تقابل الطرفان خرج الرسول ـ بعيداً عن أصحابه ـ لقضاء الحاجة، فأصابه مطر فبلّ ثوبه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد جعل الرسول (وادي أمر) بينه وبين أصحابه، فنزع ثيابه ونشرها على شجرة لتجف واضطجع تحتها.. رأى (دعثور) الرسول بهذه الحالة فطمع فيه. فأقبل، حتى وقف على رأس الرسول، مجرداً سيفه، ليقتل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلاً: من يمنعك مني؟ فقال الرسول: الله عز وجل.. ودفع (دعثور) (جبرئيل (ع)) فسقط وقام على رأسه الرسول آخذاً سيفه، قائلاً: من يمنعك مني؟ قال (دعثور): لا أحد.. ثم شهد (دعثور) الشهادتين، وحسن إسلامه ودعا قومه إلى الإسلام، وانتهى الأمر بسلام، وعاد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة..